الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً)، أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي وَصَفَ صِفَتَهَا أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الْمُنْفِقِينَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً. وَجَمِيعُ هَذِهِ النُّعُوتِ مِنْصِفَةِ (الْمُتَّقِينَ)، الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَجَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهِ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوا لِذُنُوبِهِمْ “ إِلَى “أَجْرِ الْعَامِلِينَ}، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنَ النَّعْتَيْنِ لَنَعْتُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}، قَالَ: هَذَانَ ذَنَبَانِ، {الْفَاحِشَةُ}، ذَنْبٌ، {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} ذَنْبٌ. وَأَمَّا {الْفَاحِشَةُ}، فَهِيَ صِفَةٌ لِمَتْرُوكٍ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَعِلَّةً فَاحِشَةً. وَمَعْنَى {الْفَاحِشَةِ}، الْفِعْلَةُ الْقَبِيحَةُ الْخَارِجَةُ عَمَّا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ.وَأَصْلُ “الْفُحْشِ “: الْقُبْحُ، وَالْخُرُوجُ عَنِ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلطَّوِيلِ الْمُفْرِطِ الطُّولِ: (إِنَّهُ لِفَاحِشُ الطُّولِ)، يُرَادُ بِهِ: قَبِيحُ الطُّولِ، خَارِجٌ عَنِ الْمِقْدَارِ الْمُسْتَحْسَنِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْكَلَامِ الْقَبِيحِ غَيْرَ الْقَصْدِ: (كَلَامٌ فَاحِشٌ)، وَقِيلَ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ: (أَفْحَشَ فِي كَلَامِهِ)، إِذَا نَطَقَ بِفُحْشٍ. وَقِيلَ: إِنَّ “الْفَاحِشَةَ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَعْنِيٌّ بِهَا الزِّنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ جَابِرٍ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً}، قَالَ: زِنَى الْقَوْمِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً}، أَمَّا {الْفَاحِشَةُ}، فَالزِّنَا. وَقَوْلُهُ: (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)، يَعْنِي بِهِ: فَعَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ غَيْرَ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِهَا. وَالَّذِي فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ، رُكُوبُهُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مَا أَوْجَبُوا لَهَا بِهِ عُقُوبَتَهُ، كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}، قَالَ: الظُّلْمُ مِنَ الْفَاحِشَةِ، وَالْفَاحِشَةِ مِنَ الظُّلْمِ. وَقَوْلُهُ: (ذَكَّرُوا اللَّهَ)، يَعْنِي بِذَلِكَ: ذَكَرُوا وَعَيَّدَ اللَّهِ عَلَى مَا أَتَوْا مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ {فَاسْتَغْفِرُوا لِذُنُوبِهِمْ}، يَقُولُ: فَسَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِمْ ذُنُوبَهُمْ بِصَفْحِهِ لَهُمْ عَنِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}، يَقُولُ: وَهَلْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ-أَيْ يَعْفُو عَنْ رَاكِبِهَا فَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ- إِلَّا اللَّهُ {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا}، يَقُولُ: وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذُنُوبِهِمِ الَّتِي أَتَوْهَا، وَمَعْصِيَتِهِمِ الَّتِي رَكِبُوهَا {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، يَقُولُ: لَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذُنُوبِهِمْ عَامِدِينَ لِلْمَقَامِ عَلَيْهَا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَقَدَّمَ بِالنَّهْي عَنْهَا، وَأَوْعَدَ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةَ مَنْ رَكِبَهَا. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنـْزِلَتْ خُصُوصًا بِتَخْفِيفِهَا وَيُسْرِهَا أُمَّتَنَا، مِمَّا كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُمْتَحِنَةً بِهِ مِنْ عَظِيمِ الْبَلَاءِ فِي ذُنُوبِهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبَى رَبَاحٍ: (أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَّا! كَانُوا إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ أَصْبَحَتْ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةُ فِي عَتَبَةِ بَابِهِ: (اجْدَعْ أُذُنَكَ)، (اجْدَعْ أَنْفَكَ)، “افْعَلْ “! فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَـزَلَتْ: {وَسَارَعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ " فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ). حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي خَلِيفَةَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَذْنَبُوا أَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ الذَّنْبُ وَكَفَّارَتُهُ، فَأُعْطِيْنَا خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، هَذِهِ الْآيَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ}، بَكَى إِبْلِيسُ فَزَعًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ إِبْلِيسَ حِينَ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}، بَكَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ مَوْلَى آلِ أَبِي عَقِيلٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ فَزَارَةَ يُقَالُ لَهُ أَسْمَاءُ-وَ: ابْنُ أَسْمَاءَ-، عَنْ عَلَيٍّ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي [مِنْهُ]، فَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ-وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ-قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: مُسْلِمٌ- يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَلِكَ الذَّنْبِ [إِلَّا غَفَرَ لَهُ] وَقَالَ شُعْبَةُ: وَقَرَأَ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُو فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي وَحَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ غَيْرَهُ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ. وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُصَلِّي قَالَ أَحَدُهُمَا: رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ الْآخَرُ: ثُمَّ يُصَلِّي وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلَّا غَفَرَ لَهُ). حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بِكَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سَأَلَتْهُ أَنْ يُقْسِمَ لِي بِاللَّهِ لَهُوَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَكْذِبُ. قَالَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ عِنْدَ ذِكْرِ ذَنْبِهِ فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبِهِ ذَلِكَ، إِلَّا غَفَرَهُ اللَّهُ لَه). وَأَمَّا قَوْلُهُ {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوا لِذُنُوبِهِمْ}، فَإِنَّهُ كَمَا بَيَّنَّا تَأْوِيلَهُ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ يَقُولُونَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً}، أَيْ إِنْ أَتَوْا فَاحِشَةً “أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ “ بِمَعْصِيَةٍ، ذَكَرُوا نَهْيَ اللَّهِ عَنْهَا، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَغْفَرُوا لَهَا، وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا هُوَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}، فَإِنَّ اسْمَ “اللَّهِ “ مَرْفُوعٌ وَلَا جَحْدَ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ مَا بَعْدَ “إِلَّا “ بِإِتْبَاعِهِ مَا قَبْلُهُ إِذَا كَانَ نَكِرَةً وَمَعَهُ جَحْدٌ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: (مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا أَخُوكَ). فَأَمَّا إِذَا قِيلَ: (قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا أَبَاكَ)، فَإِنَّ وَجْهَ الْكَلَامِ فِي “الْأَبِ “ النَّصْبُ. وَ“مَنْ “ بِصِلَتِهِ فِي قَوْلِهِ: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)، مَعْرِفَةٌ. فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ رَفْعًا، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَهَلْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أَحَدٌ أَوْ: مَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ. فَرَفَعَ مَا بَعْدَ “إِلَّا “ مِنْ [اسْمِ] اللَّهِ، عَلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ لَا عَلَى لَفْظِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ {الْإِصْرَارِ}، وَمَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يُثْبِتُوا عَلَى مَا أَتَوْا مِنَ الذُّنُوبِ وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ تَابُوا وَاسْتَغْفَرُوا، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، فَإِيَّاكُمْ وَالْإِصْرَارَ، فَإِنَّمَا هَلَكَ الْمُصِرُّونَ، الْمَاضُونَ قُدُمًا، لَا تَنْهَاهُمْ مَخَافَةَ اللَّهِ عَنْ حَرَامٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتُوبُونَ مِنْ ذَنْبٍ أَصَابُوهُ، حَتَّى أَتَاهُمُ الْمَوْتُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}؟ قَالَ: قُدُمًا قُدُمًا فِي مَعَاصِي اللَّهِ!! لَا تَنْهَاهُمْ مَخَافَةُ اللَّهِ، حَتَّى جَاءَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، أَيْ: لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي، كَفِعْلٍ مِنْ أَشَرِّكَ بِي، فِيمَا عَمِلُوا بِهِ مِنْ كُفْرٍ بِي. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يُوَاقِعُوا الذَّنْبَ إِذَا هَمُّوا بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا}، قَالَ: إِتْيَانُ الْعَبْدِ ذَنْبًا إِصْرَارٌ، حَتَّى يَتُوبَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا}، قَالَ: لَمْ يُوَاقِعُوا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى {الْإِصْرَارِ}، السُّكُوتُ عَلَى الذَّنْبِ وَتَرْكِ الِاسْتِغْفَارَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، أَمَّا “يُصِرُّوا “ فَيَسْكُتُوا وَلَا يَسْتَغْفِرُوا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ: {الْإِصْرَارُ}، الْإِقَامَةُ عَلَى الذَّنْبِ عَامِدًا، وَتَرْكُ التَّوْبَةِ مِنْهُ. وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: (الْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ هُوَ مُوَاقَعَتُهُ)، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَدْحَ بِتَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ مُوَاقِعَ الذَّنْبِ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، وَلَوْ كَانَ الْمَوَاقِعُ الذَّنْبَ مُصِرًّا بِمُوَاقَعَتِهِ إِيَّاهُ، لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِغْفَارِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ. لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنَ الذَّنْبِ إِنَّمَا هُوَ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَالنَّدَمُ، وَلَا يُعْرَفُ لِلِاسْتِغْفَارِ مِنْ ذَنْبٍ لَمْ يُوَاقِعْهُ صَاحِبُهُ، وَجْهٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِنَّ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّة). حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ السَّبِيْعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدُ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي نَصِيرَةَ، عَنْ مَوْلَى لِأَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَوْ كَانَ مُوَاقِعُ الذَّنَبِ مُصِرًّا، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ (مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّة)، مَعْنَى لِأَنَّ مُوَاقَعَةَ الذَّنْبِ إِذَا كَانَتْ هِيَ الْإِصْرَارَ، فَلَا يُزِيلُ الِاسْمَ الَّذِي لَزِمَهُ مَعْنَى غَيْرِهِ، كَمَا لَا يُزِيلُ عَنِ الزَّانِي اسْمَ (زَانٍ) وَعَنِ الْقَاتِلِ اسْمَ (قَاتِلٍ)، تَوْبَتُهُ مِنْهُ، وَلَا مَعْنَى غَيْرِهَا. وَقَدْ أَبَانَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ الْمُسْتَغْفِرَ مِنْ ذَنْبِهِ غَيْرُ مُصِرٍّ عَلَيْهِ، فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ أَنْ “الْإِصْرَارَ “ غَيْرُ الْمُوَاقَعَةِ، وَأَنَّهُ الْمَقَامُ عَلَيْهِ، عَلَى مَا قُلْنَا قَبْلُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ:: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ). فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذْنَبُوا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا (وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذْنَبُوا، ثُمَّ أَقَامُوا فَلَمْ يَسْتَغْفِرُوا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَتَوْا مَعْصِيَةً لِلَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، قَالَ: يَعْلَمُونَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِي. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: (أُولَئِكَ)، الَّذِينَ ذَكَرَ أَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صَفَتُهُمْ (جَزَاؤُهُمْ)، يَعْنِي ثَوَابَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمِ الَّتِي وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ عَمِلُوهَا، (مَغْفِرَةً مِنْ رَبِّهِمْ)، يَقُولُ: عَفْوٌ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ عَنْ عُقُوبَتِهِمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَلَهُمْ عَلَى مَا أَطَاعُوا اللَّهَ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ بِالْحَسنِ مِنْهَا (جَنَّاتٌ)، وَهِيَ الْبَسَاتِينُ (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، يَقُولُ: تَجْرِي خِلَالَ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ وَفِي أَسَافِلِهَا، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى صَالِحِ أَعْمَالِهِمْ “خَالِدِينَ فِيهَا “ يَعْنِي: دَائِمِي الْمَقَامِ فِي هَذِهِ الْجَنَّاتِ الَّتِي وَصَفَهَا (وَنَعِمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، يَعْنِي: وَنَعِمَ جَزَاءُ الْعَامِلِينَ لِلَّهِ، الْجَنَّاتُ الَّتِي وَصَفَهَا، كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، أَيْثَوَابُ الْمُطِيعِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ الْمُكَذِّبِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ}، مَضَتْ وَسَلَفَتْ مُنَى فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، مِنْ نَحْوِ قَوْمِ عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ هُودٍ وَقَوْمِ لُوطٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ سُلَافِ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ (سُنَنٌ)، يَعْنِي: مَثُلَاتٍ سُيِّرَ بِهَا فِيهِمْ وَفِيمَنْ كَذَّبُوا بِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِمِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، بِإِمْهَالِي أَهْلَ التَّكْذِيبِ بِهِمْ، وَاسْتِدْرَاجِي إِيَّاهُمْ، حَتَّى بَلَغَ الْكُتَّابُ فِيهِمْ أَجَلَهُ الَّذِي أَجَّلْتُهُ لِإِدَالَةِ أَنْبِيَائِهِمْ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِمْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَحْلَلْتُ بِهِمْ عُقُوبَتِي، وَأَنْـزَلْتُ بِسَاحَتِهِمْ نِقَمِي، فَتَرَكَتْهُمْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَمْثَالًا وَعِبَرًا {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبْهُ الْمُكَذِّبِينَ}، يَقُولُ: فَسِيرُوا- أَيُّهَا الظَّانُّونَ، أَنَّ إِدَالَتِي مَنْ أَدْلَتْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لِغَيْرِ اسْتِدْرَاجِ مِنِّي لِمَنْ أَشْرَكَ بِي، وَكَفَرَ بِرُسُلِي، وَخَالَفَ أَمْرِي- فِي دِيَارِ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ، مِمَّنْ كَانَ عَلَى مَثَلِ الَّذِي عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِرَسُولِي وَالْجَاحِدُونَ وَحْدَانِيَّتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ تَكْذِيبِهِمْ أَنْبِيَائِي، وَمَا الَّذِي آلَ إِلَيْهِ غِبُّ خِلَافِهِمْ أَمْرِي، وَإِنْكَارِهِمْ وَحْدَانِيَّتِي، فَتَعْلَمُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ إِدَالَتَيْ مَنْ أَدَلْتُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى نَبِيِّي مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ بِأُحُدٍ، إِنَّمَا هِيَ اسْتِدْرَاجٌ وَإِمْهَالٌ لِيَبْلُغَ الْكُتَّابُ أَجْلَهُ الَّذِي أَجْلَتْ لَهُمْ. ثُمَّ إِمَّا أَنْ يَؤُولَ حَالُهُمْ إِلَى مَثَلِ مَا آلَ إِلَيْهِ حَالُ الْأُمَمِ الَّذِينَ سَلَّفُوا قَبْلَهُمْ: مِنْ تَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِي وَاتِّبَاعِ رَسُولِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ الْمُكَذِّبِينَ}، فَقَالَ: أَلَمْ تَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَنْظُرُوا كَيْفَ عَذَّبَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ وَقَوْمَ لُوطٍ وَقَوْمَ صَالِحٍ، وَالْأُمَمَ الَّتِي عَذَّبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ}، يَقُولُ: فِي الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ}، فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَـزَلَتْ بِهِمْ يَعْنِي بِالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَالْبَلَاءَ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَالتَّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ، وَاتِّخَاذَهُ الشُّهَدَاءَ مِنْهُمْ، فَقَالَ تَعْزِيَةً لَهُمْ وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا، وَمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ الْمُكَذِّبِينَ}، أَيْ: قَدْ مَضَّتْ مِنِّي وَقَائِعُ نِقْمَةٍ فِي أَهْلِ التَّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشَّرَكِ بِي: عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدِينَ، فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ تَرَوْا مَثُلَاتِ قَدْ مَضَتْ فِيهِمْ، وَلِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنِّي، وَإِنْ أَمْلَيْتُ لَهُمْ، أَيْ: لِئَلَّا تَظُنُّوا أَنَّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوِّكُمْ وَعَدْوِي، لِلدَّوْلَةِ الَّتِي أَدْلَتْهَا عَلَيْكُمْ بِهَا، لِأَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ، لِأَعْلَمَ مَا عِنْدَكُمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِفَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبْهُ الْمُكَذِّبِينَ}، يَقُولُ: مَتَّعَهُمْ فِي الدُّنْيَا قَلِيلًا ثُمَّ صَيرَّهُمْ إِلَى النَّارِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا “السُّنَنُ “ فَإِنَّهَا جَمْعُ (سُنَّةٍ)، (وَالسُّنَّةُ)، هِيَ الْمِثَالُ الْمُتَّبَعُ، وَالْإِمَامُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ. يُقَالُ مِنْهُ: (سَنَّ فُلَانٌ فِينَا سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَسَنَّ سُنَّةٌ سَيِّئَةٌ)، إِذَا عَمِلَ عَمَلًا اتُّبِعَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ: مِـنْ مَعْشَـرٍ سَـنَّتْ لَهُـمْ آبَـاؤُهُمْ، *** وَلِكِـلِّ قَـوْمٍ سُـنَّةٌ وَإِمَامُهَـا وَقَوْلُ سُلَيْمَانُ بْنُ قَتَّةَ: وَإِنَّ الْأُلَـى بَـالطَّفِّ مِـنْ آلِ هَاشِـمٍ *** تَآسَـوْا فَسَـنُّوا لِلْكِـرَامِ التَّآسِـيَا وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ}، قَالَ: أَمْثَالٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُشِيرُ إِلَيْهِ بِـ “هَذَا “. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِقَوْلِهِ (هَذَا)، الْقُرْآنَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}، قَالَ: هَذَا الْقُرْآنُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ. قَوْلُهُ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}، وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ، جَعَلَهُ اللَّهُ بَيَانًا لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَهُدَى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ خُصُوصًا. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}، خَاصَّةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ فِي قَوْلِهِ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}، خَاصَّةً. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أُشِيرُ بِقَوْلِهِ (هَذَا)، إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبْهُ الْمُكَذِّبِينَ}، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الَّذِي عَرَّفْتُكُمْ، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، بَيَانَ لِلنَّاسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: قَوْلُهُ: (هَذَا)، إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ تَذْكِيرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعْرِيفِهِمْ حُدُودَهُ، وَحَضِّهِمْ عَلَى لُزُومِ طَاعَتِهِ وَالصَّبْرِ عَلَى جِهَادِ أَعْدَائِهِ وَأَعْدَائِهِمْ. لِأَنَّ قَوْلَهُ: (هَذَا)، إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ: إِمَّا مَرْئِيٌّ وَإِمَّا مَسْمُوعٌ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى حَاضِرٍ مَسْمُوعٍ مِنَ الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: هَذَا الَّذِي أَوْضَحْتُ لَكُمْ وَعَرَفْتُكُمُوهُ، بَيَانٌ لِلنَّاسِ يَعْنِي بِـ (الْبَيَانِ)، الشَّرْحَ وَالتَّفْسِيرَ، كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}، أَيْ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنَّاسِ إِنْ قَبِلُوهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ وَالْمُثْنِي قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ بَيَانِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}، قَالَ: مِنَ الْعَمَى. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، مِثْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَهُدَى وَمَوْعِظَةٌ)، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِـ (الْهُدَى)، الدَّلَالَةَ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَمَنْهَجِ الدِّينِ وَبِـ “الْمَوْعِظَةِ)، التَّذْكِرَةَ لِلصَّوَابِ وَالرَّشَادِ، كَمَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ وَالْمُثْنِي قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: (وَهُدَى)، قَالَ: مِنَ الضَّلَالَةِ (وَمَوْعِظَةٌ)، مِنَ الْجَهْلِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: (لِلْمُتَّقِينَ)، أَيْ: لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَعْزِيَةٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ بِأُحُدٍ. قَالَ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا}، يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: وَلَا تَضْعُفُوا بِالَّذِي نَالَكُمْ مِنْ عَدْوِكُمْ بِأُحُدٍ، مِنَ الْقَتْلِ وَالْقُرُوحِ- عَنْ جِهَادِ عَدْوِكُمْ وَحَرْبِهِمْ. مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: (وَهَنَ فُلَانٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ يَهِنُ وَهْنًا). {وَلَا تَحْزَنُوا}، وَلَا تَأْسُوْا فَتَجْزَعُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْمُصِيبَةِ يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّكُمْ {وَأَنْتُمِ الْأَعْلَوْنَ}، يَعْنِي: الظَّاهِرُونَ عَلَيْهِمْ، وَلَكُمُ الْعُقْبَى فِي الظَّفَرِ وَالنُّصْرَةِ عَلَيْهِمْ {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي نَبِيِّي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَعِدُكُمْ، وَفِيمَا يُنْبِئُكُمْ مِنَ الْخَبَرِ عَمَّا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُكُمْ وَأَمْرُهُمْ. كَمَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزَّهْرِيِّ قَالَ: كَثُرَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ، حَتَّى خَلُصَ إِلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمُ الْبَأْسُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ، فَآسَى فِيهِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَنِ مَا آسَى بِهِ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَقَالَ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمِ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، يُعَزِّي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَسْمَعُونَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْعَجْزِ وَالْوَهْنِ فِي طَلَبِ عَدُوِّهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، قَالَ: يَأْمُرُ مُحَمَّدًا، يَقُولُ: {وَلَا تَهِنُوا}، أَنْ تَمْضُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَهِنُوا}، وَلَا تَضْعُفُوا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا}، يَقُولُ: وَلَا تَضْعُفُوا. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ: {وَلَا تَهِنُوا}، قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ: وَلَا تَضْعُفُوا فِي أَمْرِ عَدُوِّكُمْ، {وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}، قَالَ: انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ، فَقَالُوا: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَنَعَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَحَدَّثُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، فَكَانُوا فِي هَمٍّ وَحَزَنٍ. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ عَلَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَبَلَ بِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ فَوْقَهُمْ، وَهُمْ أَسْفَلُ فِي الشِّعْبِ. فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِحُوا، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ لَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِكَ، وَلَيْسَ يَعْبُدُكَ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ غَيْرُ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ) قَالَ: وَثَابَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رُمَاةٌ، فَصَعِدُوا فَرَمُوا خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ، وَعَلَا الْمُسْلِمُونَ الْجَبَلَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَأَنْتُمِ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَلَا تَهِنُوا}، أَيْ: لَا تَضْعُفُوا {وَلَا تَحْزَنُوا}، وَلَا تَأَسَوْا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ، “وَأَنْتُمِ الْأَعْلَوْنَ)، أَيْ: لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَالظُّهُورُ “إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ “ إِنْ كُنْتُمْ صَدَّقْتُمْ نَبِيِّي بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنِّي. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يُرِيدُ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِمِ الْجَبَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ لَا يَعْلُونَ عَلَيْنَا). فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، كِلَاهُمَا بِفَتْحِ (الْقَافِ)، بِمَعْنَى: إِنْ يَمْسَسْكُمُ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُرْحٌ قَتْلٌ وَجِرَاحٌ مِثْلُهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفَةِ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قُرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قُرْحٌ مِثْلُهُ}. [كِلَاهُمَا بِضَمِّ الْقَافِ]. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)، بِفَتْحِ “الْقَافِ “ فِي الْحَرْفَيْنِ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ هِيَ الْفَتْحُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ “الْقَرْحَ “ وَ“الْقُرْحَ “ لُغَتَانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مَا قُلْنَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: إِنَّ (الْقَرْحَ)، الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، قَالَ: جِرَاحٌ وَقَتْلٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، قَالَ: إِنْ يَقْتُلُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، وَالْقُرْحُ الْجِرَاحَةُ، وَذَاكُمْ يَوْمُ أُحُدٍ، فَشَا فِي أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحَةُ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ أَصَابَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكُمْ، وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَكُمْ عُقُوبَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، قَالَ: ذَلِكَ يَوْمُ أُحُدٍ، فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْجِرَاحُ، وَفَشَا فِيهِمِ الْقَتْلُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، يَقُولُ: إِنْ كَانَ أَصَابَكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ أَصَابَ عَدُوَّكُمْ مِثْلُهُ يُعَزِّي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، وَالْقُرْحُ هِيَ الْجِرَاحَاتُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} أَيْ: جِرَاحٌ {فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، أَيْ: جِرَاحٌ مِثْلُهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَامَ الْمُسْلِمُونَ وَبِهِمِ الْكُلُومُ يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ عِكْرِمَةُ: وَفِيهِمْ أُنـْزِلَتْ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قُرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قُرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، وَفِيهِمْ أُنـْزِلَتْ: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 104]. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلُهُ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قُرْحٌ}، فَإِنَّهُ: إِنْ يُصِبْكُمْ، . كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ}، إِنْ يُصِبْكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ [بِقَوْلِهِ] “وَتِلْكَ الْأَيَّامَ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ“، أَيَّامُ بَدْرٍ وَأُحُدٍ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، نَجْعَلُهَا دُوَلًا بَيْنَ النَّاسِ مُصَرَّفَةً. وَيَعْنِي بِـ {النَّاسِ}، الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَدَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. وَأَدَالَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، سِوَى مَنْ جُرِحُوا مِنْهُمْ. يُقَالُ مِنْهُ: (أَدَالَ اللَّهُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ، فَهُوَ يُدِيلُهُ مِنْهُ إِدَالَةً)، إِذَا ظَفِرَ بِهِ فَانْتَصَرَ مِنْهُ مِمَّا كَانَ نَالَ مِنْهُ الْمُدَالُ مِنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، قَالَ جَعَلَ اللَّهُ الْأَيَّامَ دُوَلًا أَدَالَ الْكُفَّارَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، إِنَّهُ وَاللَّهِ لَوْلَا الدُّوَلُ مَا أُوذِيَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَكِنْ قَدْ يُدَالُ لِلْكَافِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ، لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ، وَيَعْلَمَ الصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلُهُ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فَأَظْهَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَظْهَرُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ. وَقَدْ يُدَالُ الْكَافِرُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ، لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ، وَيَعْلَمُ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ. وَأَمَّا مَنِ ابْتَلَى مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَكَانَ عُقُوبَةٌ بِمَعْصِيَتِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، يَوْمًا لَكُمْ، وَيَوْمًا عَلَيْكُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، قَالَ: أَدَالَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فَإِنَّهُ كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ، قُتِلَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ، وَغَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ لَهُ الدَّوْلَةَ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُكْمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَمَّا كَانَ قِتَالُ أُحُدٍ وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَ، صَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَبَلَ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ! يَا مُحَمَّدُ! أَلَا تَخْرُجُ؟ أَلَا تَخْرُجُ؟ الْحَرْبُ سِجَالٌ: يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ لَكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: أَجِيبُوهُ، فَقَالُوا: لَا سَوَاءَ، لَا سَوَاءَ، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ! فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا عُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ! فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَوْعِدُكُمْ وَمَوْعِدُنَا بَدْرٌ الصُّغْرَى) قَالَ عِكْرِمَةُ: وَفِيهِمْ أُنـْزِلَتْ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فَإِنَّهُ أَدَالَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، أَيْ نُصَرِّفُهَا لِلنَّاسِ، لِلْبَلَاءِ وَالتَّمْحِيصِ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، قَالَ: يَعْنِي الْأُمَرَاءَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ (وَاوٌ)، لَكَانَ قَوْلُهُ: (لِيَعْلَمَ) مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ، وَكَانَ {وَتِلْكَ الْأَيَّامَ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا. وَلَكِنْ لَمَّا دَخَلَتْ “الْوَاوُ “ فِيهِ، آذَنَتْ بِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ بَعْدَهَا خَبَرًا مَطْلُوبًا، وَاللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: (وَلِيَعْلَمَ)، بِهِ مُتَعَلِّقَةٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا “ مَعْرِفَةً، وَأَنْتِ لَا تَسْتَجِيزُ فِي الْكَلَامِ: (قَدْ سَأَلَتُ فَعَلِمْتُ عَبْدَ اللَّهِ)، وَأَنْتَ تُرِيدُ: عَلَّمْتُ شَخْصَهُ، إِلَّا أَنْ تُرِيدَ: عَلِمْتَ صِفَتَهُ وَمَا هُوَ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَازَ مَعَ (الَّذِينَ)، لِأَنَّ فِي “الَّذِينَ “ تَأْوِيلُ “مِنْ “ وَ(أَيْ)، وَكَذَلِكَ جَائِزٌ مِثْلُهُ فِي “الْأَلِفِ وَاللَّامِ)، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 3]، لِأَنَّ فِي “الْأَلِفِ وَاللَّامِ “ مِنْ تَأْوِيلِ (أَيْ)، وَ(مِنْ)، مِثْلُ الَّذِي فِي “الَّذِي “. وَلَوْ جَعَلَ مَعَ الِاسْمِ الْمُعَرَّفَةِ اسْمًا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى (أَيْ)، جَازَ، كَمَا يُقَالُ: (سَأَلَتْ لِأَعْلَمَ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ عَمْرٍو)، وَيُرَادُ بِذَلِكَ: لِأَعْرِفَ هَذَا مِنْ هَذَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، أَيُّهَا الْقَوْمُ، مِنَ الَّذِينَ نَافَقُوا مِنْكُمْ، نُدَاوِلُ بَيْنَ النَّاسِ فَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}، عَنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ: {مِنِ الَّذِينَ نَافَقُوا}، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. إِذْ كَانَ فِي قَوْلِهِ: (الَّذِينَ آمَنُوا “ تَأْوِيلٌ “أَيْ “ عَلَى مَا وَصَفْنَا. فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ أَيُّكُمُ الْمُؤْمِنُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {لِنَعْلَمَ أَيُ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 12] غَيْرَ أَنْ (الْأَلِفَ وَاللَّامَ)، وَ“الَّذِي “ وَ“مِنْ “ إِذَا وُضِعَتْ مَعَ الْعَلَمِ مَوْضِعَ (أَيْ)، نُصِبَتْ بِوُقُوعِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، كَمَا قِيلَ: {وَلِيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، فَأَمَّا “أَيْ “ فَإِنَّهَا تُرْفَعُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَيَتَّخِذُ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} وَلِيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ، أَيْ: لِيُكْرِمَ مِنْكُمْ بِالشَّهَادَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَهُ بِهَا. “وَالشُّهَدَاءُ “ جَمْعُ (شَهِيدٍ)، كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}، أَيْ: لِيُمَيِّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَلِيُكْرِمَ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قِرَاءَةً عَلَى ابْنِ جُرَيجٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}، قَالَ: فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ: (رَبَّنَا أَرِنَا يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْرٍ نُقَاتِلُ فِيهِ الْمُشْرِكِينَ، ونُبْلِيكَ فِيهِ خَيْرًا، وَنَلْتَمِسُ فِيهِ الشَّهَادَةَ)! فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَاتَّخَذَ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}، فَكَرَّمَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ بِالشَّهَادَةِ بِأَيْدِي عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ تَصِيرُ حَوَاصِلُ الْأُمُورِ وَعَوَاقِبُهَا لِأَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا يَسْأَلُونَ الشَّهَادَةَ، فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَاتَّخَذَ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ. حَدَّثَنِي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}، كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمْ يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْرٍ، يَبْلُونَ فِيهِ خَيْرًا، وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الشَّهَادَةَ، وَيُرْزَقُونَ الْجَنَّةَ وَالْحَيَاةَ وَالرِّزْقَ، فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَاتَّخَذَ اللَّهُ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} الْآيَةَ، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 154]. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبَّهُمْ، كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، أَيْ: الْمُنَافِقِينَ الَّذِي يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمِ الطَّاعَةَ، وَقُلُوبِهِمْ مُصِرَّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، وَلِيَخْتَبِرَ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَيَبْتَلِيهِمْ بِإِدَالَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُؤْمِنُ مِنْهُمُ الْمُخْلِصُ الصَّحِيحُ الْإِيمَانِ، مِنَ الْمُنَافِقِ. كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، قَالَ: لِيَبْتَلِيَ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، قَالَ: لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى يَصْدُقَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، يَقُولُ: يَبْتَلِي الْمُؤْمِنِينَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، قَالَ: يَبْتَلِيهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، فَكَانَ تَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَمَحْقًا لِلْكَافِرِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، أَيْ يَخْتَبِرُ الَّذِينَ آمَنُوا، حَتَّى يُخَلِّصَهُمْ بِالْبَلَاءِ الَّذِي نَـزَلَ بِهِمْ، وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، قَالَ: يَمْحَقُ مَنْ مَحَقَ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ بَقِيَّةٌ مَنْ يَمْحَقُ فِي الْآخِرَةِ فِي النَّارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَيَمْحَقُ الْكَافِرِينَ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: أَنَّهُ يُنْقُصُهُمْ وَيُفْنِيهِمْ. يُقَالُ مِنْهُ: (مَحَقَ فُلَانٌ هَذَا الطَّعَامَ)، إِذَا نَقَصَهُ أَوْ أَفْنَاهُ، (يَمْحَقُهُ مَحْقًا)، وَمِنْهُ قِيلَ لِمِحَاقِ الْقَمَرِ: (مُحَاقٌ)، وَذَلِكَ نُقْصَانُهُ وَفَنَاؤُهُ، كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَيَمْحَقُ الْكَافِرِينَ}، قَالَ: يَنْقُصُهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، قَالَ: يَمْحَقُ الْكَافِرَ حَتَّى يُكَذِّبَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، أَيْ: يُبْطِلُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، حَتَّى يُظْهِرَ مِنْهُمْ كُفْرُهُمُ الَّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ مِنْكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {أَمْ حَسِبْتُمْ}، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَظَنَنْتُمْ {أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ}، وَتَنَالُوا كَرَامَةَ رَبِّكُمْ، وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ عِنْدَهُ {وَلَمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ}، يَقُولُ: وَلَمَّا يَتَبَيَّنُ لِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ، الْمُجَاهِدُ مِنْكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلَمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ}، {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ}، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، بِأَدِلَّتِهِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَيَعْلَمُ الصَّابِرِينَ}، يَعْنِي: الصَّابِرِينَ عِنْدَ الْبَأْسِ عَلَى مَا يَنَالُهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ مِنْ جَرْحٍ وَأَلَمٍ وَمَكْرُوهٍ. كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} وَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَةَ، وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشِّدَّةِ، وَأَبْتَلِيكُمْ بِالْمَكَارِهِ، حَتَّى أَعْلَمَ صِدْقَ ذَلِكَ مِنْكُمُ الْإِيمَانِ بِي، وَالصَّبْرُ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيَّ. وَنُصْبُ {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، عَلَى الصَّرْفِ. وَ(الصَّرْفُ)، أَنْ يَجْتَمِعَ فِعْلَانِ بِبَعْضِ حُرُوفِ النَّسَقِ، وَفِي أَوَّلِهِ مَا لَا يُحْسِنُ إِعَادَتُهُ مَعَ حَرْفِ النَّسَقِ، فَيَنْصَبُّ الَّذِي بَعُدَ حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى الصَّرْفِ، لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ يَكُونُ مَعَ جَحْدٍ أَوِ اسْتِفْهَامٍ أَوْ نَهْيٍ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ. وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: (لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَضِيقُ عَنْكَ)، لِأَنَّ “لَا “ الَّتِي مَعَ “يَسَعُنِي “ لَا يَحْسُنُ إِعَادَتُهَا مَعَ قَوْلِهِ: (وَيَضِيقُ عَنْكَ)، فَلِذَلِكَ نُصِبَ.. والْقَرَأَةُ فِي هَذَا الْحَرْفِ عَلَى النَّصْبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، فَيَكْسِرُ “الْمِيمَ “ مِنْ (يَعْلَمُ)، لِأَنَّهُ كَانَ يَنْوِي جَزْمَهَا عَلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: {وَلِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ}، وَلَقَدْ كُنْتُمْ، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ {تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ}، يَعْنِي أَسْبَابَ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ: الْقِتَالُ {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ}، فَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تُمَنُّونَهُ- وَ“الْهَاءُ “ فِي قَوْلِهِ “رَأَيْتُمُوهُ “ عَائِدَةٌ عَلَى (الْمَوْتِ)، وَالْمَعْنَى: [الْقِتَالُ] {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}، يَعْنِي: قَدْ رَأَيْتُمُوهُ بِمَرْأَى مِنْكُمْ وَمَنْظَرٍ، أَيْ بِقُرْبٍ مِنْكُمْ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قِيلَ: {وَأَنْتُمْ تُنَظِّرُونَ}، عَلَى وَجْهِ التَّوْكِيدِ لِلْكَلَامِ، كَمَا يُقَالُ: (رَأَيْتُهُ عِيَانًا “ وَ“رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي، وَسَمِعْتُهُ بِأُذُنِي “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تُمَنُّونَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ}، لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدُ بَدْرًا، كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ قَبْلَ أُحُدٍ يَوْمًا مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، فَيُبْلُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ خَيْرًا، وَيَنَالُوا مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا نَالَ أَهْلُ بَدْرٍ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ فَرَّ بَعْضُهُمْ، وَصَبَرَ بَعْضُهُمْ حَتَّى أَوْفَى بِمَا كَانَ عَاهِدَ اللَّهَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَاتَبَ اللَّهُ مِنْ فَرِّ مِنْهُمْ فَقَالَ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ}، الْآيَةَ، وَأَثْنَى عَلَى الصَّابِرِينَ مِنْهُمْ وَالْمُوفِينَ بِعَهْدِهِمْ. ذَكْرُ الْأَخْبَارِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}، قَالَ: غَابَ رِجَالٌ عَنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ مِثْلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ يُلْقُوهُ، فَيُصِيبُوا مِنَ الْخَيْرِ وَالْأَجْرِ مِثْلَ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَلَّى مِنْ وَلَّى مِنْهُمْ، فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ أَوْ: فَعَابَهُمْ، أَوْ: فَعَيَّبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ- إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: {فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ}، وَلَمْ يَشُكْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}، أُنَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَشْهَدُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَالَّذِي أَعْطَى اللَّهُ أَهِلَ بَدْرٍ مِنَ الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ وَالْأَجْرِ، فَكَانَ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُرْزَقُوا قِتَالًا فَيُقَاتِلُوا، فَسِيقَ إِلَيْهِمِ الْقِتَالُ حَتَّى كَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ يَوْمُ أُحُدٍ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْمَعُونَ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تُمَنُّونَ الْمَوْتَ}، حَتَّى بَلَغَ {الشَّاكِرِينَ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ}، قَالَ: كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَلْقُوا الْمُشْرِكِينَ فَيُقَاتِلُوهُمْ، فَلَمَّا لَقُوهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَّوْا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: إِنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَشْهَدُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَالَّذِي أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْفَضْلِ، فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَرَوْا قِتَالًا فَيُقَاتِلُوا، فَسِيقَ إِلَيْهِمِ الْقِتَالُ حَتَّى كَانَ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ يَوْمُ أُحُدٍ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تُمَنُّونَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ}، الْآيَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقُولُونَ: (لَئِنْ لَقِينَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَفْعَلَنَّ وَلَنَفْعَلَنَّ)، فَابْتُلُوا بِذَلِكَ، فَلَا وَاللَّهِ مَا كُلُّهُمْ صَدَقَ اللَّهَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، فِلْمًا رَأَوْا فَضِيلَةَ أَهْلِ بَدْرٍ قَالُوا: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيَنَا يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْرٍ نُبْلِيكَ فِيهِ خَيْرًا)! فَرَأَوْا أُحُدًا، فَقَالَ لَهُمْ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}، أَيْ: لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّونَ الشَّهَادَةَ عَلَى الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ يَعْنِي الَّذِينَ اسْتَنْهَضُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُرُوجِهِ بِهِمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ، لِمَا فَاتَهُمْ مِنَ الْحُضُورِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ، رَغْبَةً فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ فَاتَتْهُمْ بِهِ. يَقُولُ: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}، أَيْ: الْمَوْتَ بِالسُّيُوفِ فِي أَيْدِي الرِّجَالِ، قَدْ خَلَّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَصَدَدْتُمْ عَنْهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ كَبَعْضِ رُسُلِ اللَّهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى خَلْقِهِ، دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ، الَّذِينَ حِينَ انْقَضَتْ آجَالُهُمْ مَاتُوا وَقَبَضَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا اللَّهُ بِهِ صَانِعٌ مِنْ قَبْضِهِ إِلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَجْلِهِ، كَسَائِرِ رُسُلِهِ إِلَى خَلْقِهِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ، وَمَاتُوا عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ آجَالِهِمْ. ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، مُعَاتِبَهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مَنِ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ حِينَ قِيلَ لَهُمْ بِأُحُدٍ: (إِنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ)، وَمُقَبِّحًا إِلَيْهِمِ انْصِرَافَ مَنِ انْصَرَفَ مِنْهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ وَانْهِزَامِهِ عَنْهُمْ: أَفَائِنٌ مَاتَ مُحَمَّدٌ، أَيُّهَا الْقَوْمُ، لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ أَجْلِهِ، أَوْ قَتَلَهُ عَدُوٌّ {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}، يَعْنِي: ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَرَجَعْتُمْ عَنْهُ كَفَّارًا بِاللَّهِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَبَعْدَ مَا قَدْ وَضَحَتْ لَكُمْ صِحَّةُ مَا دَعَاكُمْ مُحَمَّدٌ إِلَيْهِ، وَحَقِيقَةُ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ {وَمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}، يَعْنِي بِذَلِكَ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ وَيَرْجِعْ كَافِرًا بَعْدَ إِيمَانِهِ، “فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا “ يَقُولُ: فَلَنْ يُوهِنَ ذَلِكَ عِزَّةَ اللَّهِ وَلَا سُلْطَانَهُ، وَلَا يُدْخِلُ بِذَلِكَ نَقْصٌ فِي مِلْكِهِ، بَلْ نَفْسُهُ يَضُرُّ بِرِدَّتِهِ، وَحَظَّ نَفْسِهِ يَنْقُصُ بِكُفْرِهِ {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، يَقُولُ: وَسَيُثِيبُ اللَّهُ مَنْ شَكَرَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُ لِدِينِهِ، بِثُبُوتِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ هُوَ مَاتَ أَوْ قُتِلَ، وَاسْتِقَامَتِهِ عَلَى مِنْهَاجِهِ، وَتَمَسُّكِهِ بِدِينِهِ وَمِلَّتِهِ بَعْدَهُ. كَمَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلَيٍّ فِي قَوْلِهِ: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، الثَّابِتِينَ عَلَى دِينِهِمْ أَبَا بَكْرٍ وَأَصْحَابَهُ. فَكَانَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَمِينَ الشَّاكِرِينَ، وَأَمِينَ أَحِبَّاءِ اللَّهِ، وَكَانَ أَشْكَرَهُمْ وَأَحَبَّهُمْ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمِينُ الشَّاكِرِينَ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، أَيْ: مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ. وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنـْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنِ انْهَزَمَ عَنْهُ بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، ذَاكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، حِينَ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ وَالْقَتْلُ، ثُمَّ تَنَاعَوْا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفِئَةَ ذَلِكَ، فَقَالَ أُنَاسٌ: (لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا قُتِلَ “! وَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ نَبِيُّكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَكُمْ أَوْ تَلْحَقُوا بِهِ “! فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)، يَقُولُ: إِنْ مَاتَ نَبِيُّكُمْ أَوْ قُتِلَ، ارْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِكُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ، قَالَ الرَّبِيعُ: وَذَكَرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، أَشَعَرْتَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَقَدْ بَلَّغَ، فَقَاتَلُوا عَنْ دِينِكُمْ. فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}، يَقُولُ: ارْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِكُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: لَمَّا بَرَزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ إِلَيْهِمْ- يَعْنِي: إِلَى الْمُشْرِكِينَ- أَمْرَ الرُّمَاةَ فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَلِ فِي وُجُوهِ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ: (لَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ، فَإِنَّا لَنْ نَـزَالَ غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانَكُمْ). وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، أَخَا خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ. ثُمَّ شَدَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْودِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَهَزَمَاهُمْ، وَحَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَهَزَمُوا أَبَا سُفْيَانَ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهُوَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، كَرَّ. فَرَمَتْهُ الرُّمَاةُ فَانْقَمَعَ. فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي جَوْفِ عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَهُ، بَادَرُوا الْغَنِيمَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَا نَتْرُكُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “! فَانْطَلَقَ عَامَّتُهُمْ فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ. فَلَمَّا رَأَى خَالِدٌ قِلَّةَ الرُّمَاةِ، صَاحَ فِي خَيْلِهِ ثُمَّ حَمَلَ، فَقَتَلَ الرُّمَاةَ وَحَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلَهُمْ تُقَاتِلُ، تَنَادُوْا، فَشَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. فَأَتَى ابْنُ قَمِيئَةَ الْحَارِثِيُّ- أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ- فَرَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فَكَسَرَ أَنْفَهُ وَرَبَاعِيَّتَهُ، وَشَجَّهُ فِي وَجْهِهِ فَأَثْقَلَهُ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَدَخْلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ، وَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ فَقَامُوا عَلَيْهَا. وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ: (إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ! إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ!)، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ إِلَّا طَلْحَةَ وَسَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ. فَحَمَاهُ طَلْحَةُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فِي يَدِهِ فَيَبِسَتْ يَدُهُ. وَأَقْبَلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ- وَقَدْ حَلَفَ لِيَقْتُلْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ- فَقَالَ: يَا كَذَّابُ، أَيْنَ تَفِرُّ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْبِ الدِّرْعِ، فَجُرِحَ جَرْحًا خَفِيفًا، فَوَقَعَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ. فَاحْتَمَلُوهُ وَقَالُوا: لَيْسَ بِكَ جِرَاحَةٌ!، [فَمَا يُجْزِعُكَ]؟ قَالَ: أَلَيْسَ قَالَ: لِأَقْتُلَنَّكَ؟ لَوْ كَانَتْ لِجَمِيعِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ لَقَتَلَتْهُمْ! وَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَوْمًا وَبَعْضَ يَوْمٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ. وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ: (لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَيَأْخُذُ لَنَا أَمَنَةً مِنْ أَبِي سُفْيَانَ!! يَا قَوْمُ، إِنْ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ). قَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضِرِ: (يَا قَوْمُ، إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَإِنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ لَمْ يُقْتَلْ، فَقَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ إِنَّى أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ)! ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتِلَ حَتَّى قُتِلَ. وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ، وَضْعَ رَجُلٌ سَهْمًا فِي قَوْسِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَهُ، فَقَالَ: (أَنَا رَسُولُ اللَّهِ)! فَفَرِحُوا حِينَ وَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا، وَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى أَنَّ فِي أَصْحَابِهِ مَنْ يَمْتَنِعُ بِهِ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَهَبَ عَنْهُمُ الْحُزْنُ، فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْحَ وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ، وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابَهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِينِ قَالُوا: إِنْ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مَنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَائِنٌ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ “. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ}، قَالَ: يَرْتَدُّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ أَشْعَرَتْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ! فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَقَدْ بَلَّغَ! فَقَاتَلُوا عَنْ دِينِكُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، أَخُو بَنِي عُدَيِّ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ: انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النَّضِرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَى عُمَرَ، وَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ! قَالَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ! وَاسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَبِهِ سُمِّي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ هُزِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَارْجِعُوا إِلَى دِينِكُمُ الْأَوَّلِ)! فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}، الْآيَةَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أُلْقِيَ فِي أَفْوَاهِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، فَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الْآيَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَزَلَ هُوَ وَعِصَابَةٌ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَكَمَةٍ، وَالنَّاسُ يَفِرُّونَ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى الطَّرِيقِ يَسْأَلُهُمْ: (مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرُّوا عَلَيْهِ يَسْأَلُهُمْ، فَيَقُولُونَ: (وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا فَعَلَ)! فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ، لَنُعْطِيَنَّهُمْ بِأَيْدِينَا، إِنَّهُمْ لِعَشَائِرِنَا وَإِخْوَانِنَا)! وَقَالُوا: (إِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُهْزَمْ، وَلَكِنَّهُ قُتِلَ)! فَتَرَخَّصُوا فِي الْفِرَارِ حِينَئِذٍ. فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}، الْآيَةَ كُلَّهَا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الْآيَةَ، نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الِارْتِيَابِ وَالْمَرَضِ وَالنِّفَاقِ، قَالُوا يَوْمَ فَرَّ النَّاسُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشُجَّ فَوْقَ حَاجِبِهِ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ: (قُتِلَ مُحَمَّدٌ، فَالْحَقُوا بِدِينِكُمُ الْأَوَّلِ)! فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ). حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}، قَالَ: مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْ تَدَعُوا الْإِسْلَامَ وَتَنْقَلِبُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ مُحَمَّدٌ أَوْ يَقْتُلَ! فَسَوْفَ يَكُونُ أَحَدُ هَذَيْنِ: فَسَوْفَ يَمُوتُ، أَوْ يُقْتَلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، إِلَى قَوْلِهِ: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، أَيْ: لِقَوْلِ النَّاسِ: (قُتِلَ مُحَمَّدٌ)، وَانْهِزَامِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصِرَافِهِمْ عَنْ عَدْوِهِمْ أَيْ: أَفَإِنْ مَاتَ نَبِيُّكُمْ أَوْ قُتِلَ، رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفَّارًا كَمَا كُنْتُمْ، وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوِّكُمْ وَكِتَابَ اللَّهِ، وَمَا قَدْ خَلَّفَ نَبِيُّهُ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ عَنِّي أَنَّهُ مَيِّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ؟ {وَمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}، أَيْ: يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ {فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا}، أَيْ: لَنْ يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ عِزِّ اللَّهِ وَلَا مَلِكِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ: قَالَ: أَهْلُ الْمَرَضِ وَالِارْتِيَابِ وَالنِّفَاقِ، حِينَ فَرَّ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، فَالْحَقُوا بِدِينِكُمُ الْأَوَّلِ)! فَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَتَنْقَلِبُونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا فَجَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ فِي حَرْفِ الْجَزَاءِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي جَوَابِهِ. وَكَذَلِكَ كَلُّ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى جَزَاءٍ، فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي جَوَابِهِ. لِأَنَّ الْجَوَابَ خَبَرٌ يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَالْجَزَاءَ شَرْطٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ، ثُمَّ يَجْزِمُ جَوَابَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَعْنَاهُ الرَّفْعُ، لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْجَزَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: حَـلَفْتُ لَـهُ إِنْ تُـدْلِجِ اللَّيـلَ لَا يَـزَلْ *** أَمَـامَكَ بَيْـتٌ مِـنْ بُيُـوتِي سَـائِرُ فَمَعْنَى “لَا يَزَلْ “ رَفَعَ، وَلَكِنَّهُ جَزَمَ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْجَزَاءِ، فَصَارَ كَالْجَوَابِ. وَمِثْلَهُ: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 34] وَ {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ} [سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: 17]، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ {فَهُمُ الْخَالِدُونَ}، {يَخْلُدُونَ}، وَقِيلَ: (أَفَإِنْ مُتُّ يَخْلُدُوا)، جَازَ الرَّفْعُ فِيهِ وَالْجَزْمُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانُ {انْقَلَبْتُمْ}، {تَنْقَلِبُوا}، جَازَ الرَّفْعُ وَالْجَزْمُ، لِمَا وَصَفْتُ قَبْلُ. وَتَرَكْتُ إِعَادَةَ الِاسْتِفْهَامِ ثَانِيَةً مَعَ قَوْلِهِ: (انْقَلَبْتُمْ)، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي أَوَّلِهِ دَالٌّ عَلَى مَوْضِعِهِ وَمَكَانِهِ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْقَرَأَةُ يَخْتَارُ فِي قَوْلِهِ: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 82 سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 16 سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 47]، تَرَكَ إِعَادَةَ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ (أَئِنَّا)، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا)، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى صِحَّةِ وَجْهِ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْقَرَأَةُ عَلَى تَرْكِهِمْ إِعَادَةَ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ قَوْلِهِ: (انْقَلَبْتُمْ)، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: (أَفَإِنْ مَاتَ)، إِذْ كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ وَمَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ مِنْهُ. وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَسَنَأْتِي عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَمَا يَمُوتُ مُحَمَّدٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِ أَجْلِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ غَايَةً لِحَيَاتِهِ وَبَقَائِهِ، فَإِذَا بَلَّغَ ذَلِكَ مِنَ الْأَجَلِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ، وَأَذِنَ لَهُ بِالْمَوْتِ، فَحِينَئِذٍ يَمُوتُ. فَأَمَّا قَبْلُ ذَلِكَ، فَلَنْ يَمُوتَ بِكَيْدٍ كَائِدٍ وَلَا بِحِيلَةِ مُحْتَالٍ، كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}، أَيْ: أَنَّ لِمُحَمَّدٍ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ، إِذَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَتْ نَفْسٌ لِتَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى النَّاصِبِ قَوْلُهُ: (كُتَّابًا مُؤَجِّلًا). فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ: هُوَ تَوْكِيدٌ، وَنَصْبُهُ عَلَى: (كَتَبَ اللَّهُ كُتَّابًا مُؤَجِّلًا). قَالَ: وَكَذَلِكَ كَلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ: (حَقًّا) إِنَّمَا هُوَ: أَحِقُ ذَلِكَ حَقًّا. وَكَذَلِكَ: {وَعَدَ اللَّهُ} {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، إِنَّمَا هُوَ: صَنَعَ اللَّهُ هَكَذَا صُنْعًا. فَهَكَذَا تَفْسِيرُ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَحْوِ هَذَا، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَمَا كَانَ لِنَفْسِ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، مَعْنَاهُ: كَتَبَ اللَّهُ آجَالَ النُّفُوسِ، ثُمَّ قِيلَ: (كُتَّابًا مُؤَجِّلًا)، فَأَخْرَجَ قَوْلُهُ: (كِتَابًا مُؤَجَّلًا)، نَصْبًا مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْكَلَامِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: (وَمَا كَانَ لِنَفْسِ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، قَدْ أَدَّى عَنْ مَعْنَى: (كَتَبَ)، قَالَ: وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرَ ذَلِكَ، فَهُوَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: قَوْلُ الْقَائِلِ: (زِيدَ قَائِمٌ حَقًّا)، بِمَعْنَى: (أَقُولُ زَيْدَ قَائِمٌ حَقًّا)، لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ (قَوْلٌ)، فَأَدَّى الْمَقُولُ عَنْ (الْقَوْلِ)، ثُمَّ خَرَجَ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: (أَقُولُ قَوْلَا حَقًّا)، وَكَذَلِكَ “ظَنًّا “ وَ“يَقِينًا “ وَكَذَلِكَ: (وَعْدَ اللَّهِ)، وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبِلَهُ، لِأَنَّ فِي كُلِّ مَا قَبْلُ الْمَصَادِرِ الَّتِي هِيَ مُخَالِفَةٌ أَلْفَاظُهَا أَلْفَاظَ مَا قَبِلَهَا مِنَ الْكَلَامِ، مَعَانِيَ أَلْفَاظِ الْمَصَادِرِ وَإِنْ خَالَفَهَا فِي اللَّفْظِ، فَنَصْبُهَا مِنْ مَعَانِي مَا قَبْلَهَا دُونَ أَلْفَاظِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَنْ يُرِدْ مِنْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِعَمَلِهِ جَزَاءً مِنْهُ بَعْضَ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا، دُونَ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَرَامَةِ لِمَنِ ابْتَغَى بِعَمَلِهِ مَا عِنْدَهُ (نُؤْتِهِ مِنْهَا)، يَقُولُ: نُعْطَهُ مِنْهَا، يَعْنِي مِنَ الدُّنْيَا، يَعْنِي أَنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْهَا مَا قُسِمَ لَهُ فِيهَا مِنْ رِزْقِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، ثُمَّ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِمَنْ أَطَاعَهُ وَطَلَبَ مَا عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ}، يَقُولُ: وَمَنْ يُرِدُ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ جَزَاءً مِنْهُ ثَوَابَ الْآخِرَةِ، يَعْنِي: مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ كَرَامَتِهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِلْعَامِلِينَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ {نُؤْتِهِ مِنْهَا}، يَقُولُ: نُعْطَهُ مِنْهَا، يَعْنِي مِنَ الْآخِرَةِ. وَالْمَعْنَى: مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي خَصَّ بِهَا أَهْلَ طَاعَتِهِ فِي الْآخِرَةِ. فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمَعْنَى مَا فِيهِمَا. كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا}، أَيْ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدُّنْيَا، لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ، نُؤْتِهِ مَا قُسِمَ لَهُ مِنْهَا مِنْ رِزْقٍ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نَوَتْهُ مِنْهَا “ مَا وَعَدَهُ، مَعَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}، يَقُولُ: وَسَأُثِيبُ مِنْ شَكَرِ لِي مَا أَوْلَيْتُهُ مِنْ إِحْسَانِي إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إِيَّايَ، وَانْتِهَائِهِ إِلَى أَمْرِي، وَتَجَنُّبِهِ مَحَارِمِي فِي الْآخِرَةِ مِثْلَ الَّذِي وَعَدَتْ أَوْلِيَائِي مِنَ الْكَرَامَةِ عَلَى شُكْرِهِمْ إِيَّايَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}، أَيْ: ذَلِكَ جَزَاءُ الشَّاكِرِينَ، يَعْنِي بِذَلِكَ، إِعْطَاءَ اللَّهِ إِيَّاهُ مَا وَعَدَهُ فِي الْآخِرَةِ، مَعَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ: فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (وَكَأَيِّنْ)، بِهَمْزِ “الْأَلْفِ “ وَتَشْدِيدِ “الْيَاءِ “. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِمَدِّ “الْأَلِفِ “ وَتَخْفِيفِ “الْيَاءِ“ وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، لَا اخْتِلَافَ فِي مَعْنَاهُمَا، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ ذَلِكَ قَارِئٌ فَمُصِيبٌ. لِاتِّفَاقِ مَعْنَى ذَلِكَ، وَشُهْرَتِهِمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَمَعْنَاهُ: وَكَمْ مِنْ نَبِيٍّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ}. فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: (قُتِلَ)، بِضَمِّ الْقَافِ. وَقَرَأَهُ جَمَاعَةٌ أُخَرُ بِفَتْحِ “الْقَافِ “ وَ“بِالْأَلْفِ “. وَهِيَ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ (قَاتَلَ)، فَإِنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَالَ: لَوْ قُتِلُوا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: (فَمَا وَهَنُوا)، وَجْهٌ مَعْرُوفٌ. لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوصَفُوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يَضْعُفُوا بَعْدَ مَا قُتِلُوا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَأُوا ذَلِكَ: (قُتِلَ)، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا عَنَى بِالْقَتْلِ النَّبِيَّ وَبَعْضَ مِنْ مَعَهُ مِنَ الرِّبِّيْيِنَ دُونَ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا نَفَى الْوَهْنَ وَالضَّعْفَ عَمَّنْ بَقَى مِنَ الرِّبِّيْيِنَ مِمَّنْ لَمْ يَقْتُلْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ “الْقَافِ“: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُونَ كَثِيرٌ}، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا عَاتَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَالْآيَاتِ الَّتِي قَبِلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} الَّذِينَ انْهَزَمُوا يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكُوا الْقِتَالَ، أَوْ سَمِعُوا الصَّائِحَ يَصِيحُ: (إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ). فَعَذَلَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى فِرَارِهِمْ وَتَرْكِهِمِ الْقِتَالَ فَقَالَ: أَفَإِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَانْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ؟ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَمَّا كَانَ مِنْ فِعْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: هَلَّا فَعَلْتُمْ كَمَا كَانَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكُمْ يَفْعَلُونَهُ إِذَا قُتِلَ نَبِيُّهُمْ مِنَ الْمُضِيِّ عَلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّهِمْ، وَالْقِتَالِ عَلَى دِينِهِ أَعْدَاءَ دِينِ اللَّهِ، عَلَى نَحْوِ مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ مَعَ نَبِيِّهِمْ وَلَمْ تَهِنُوا وَلَمْ تَضْعُفُوا، كَمَا لَمْ يُضْعِفِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصَائِرِ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ صَبَرُوا لِأَعْدَائِهِمْ حَتَّى حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ؟ وَبِذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلِ جَاءَ تَأْوِيلُ الْمُتَأَوِّلِينَ. وَأَمَّا (الرِّبِّيُّونَ)، فَإِنَّهُمْ مَرْفُوعُونَ بِقَوْلِهِ: (مَعَهُ) لَا بُقُولِهِ: (قُتِلَ). وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ، وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَفِي الْكَلَامِ إِضْمَارُ (وَاوٍ)، لِأَنَّهَا “وَاوٌ “ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى حَالِ قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ أَنَّهُ اجْتَزَأَ بِدَلَالَةٍ مَا ذَكَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا مِنْ ذِكْرِهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْكَلَامِ: (قُتِلَ الْأَمِيرِ مَعَهُ جَيْشٌ عَظِيمٌ)، بِمَعْنَى: قُتِلَ وَمَعَهُ جَيْشٌ عَظِيمٌ. وَأَمَّا “الرِّبِّيُّونَ)، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ: هُمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الرَّبَّ، وَاحِدُهُمْ “رِبِّيٌّ “. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ: لَوْ كَانُوا مَنْسُوبَيْنِ إِلَى عِبَادَةِ الرَّبِّ لَكَانُوا “رَبِّيونَ “ بِفَتْحِ (الرَّاءِ)، وَلَكِنَّهُ: الْعُلَمَاءُ، وَالْأُلُوفُ. وَ “الرِّبِّيُّونَ “ عِنْدَنَا، الْجَمَاعَاتُ الْكَثِيرَةُ، وَاحِدُهُمْ (رِبِّيٌّ)، وَهُمُ الْجَمَاعَةُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِثْلَ مَا قُلْنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: الرِّبِّيُّونَ: الْأُلُوفُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُكَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)، قَالَ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قَالَ: جُمُوعٌ. حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) قَالَ: الْأُلُوفُ. وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَينَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قَالَ: عُلَمَاءُ كَثِيرٌ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، قَالَ: فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. عَنْ أَبِي رَجَاءَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قَالَ: الْجُمُوعُ الْكَثِيرَةُ قَالَ يَعْقُوبُ: وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا إِسْمَاعِيلُ: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}. حَدَّثَنَا بَشَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} يَقُولُ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، قَالَ: عُلَمَاءُ كَثِيرٌ وَقَالَ قَتَادَةَ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، قَالَ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمِلِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قَالَ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} يَقُولُ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، يَقُولُ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، قُتِلَ نَبِيُّهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ حِبَّانَ وَالْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، قَالَ جَعْفَرُ: عُلَمَاءُ صَبَرُوا وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَتْقِيَاءُ صُبُرٌ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} يَعْنِي الْجُمُوعَ الْكَثِيرَةَ، قُتِلَ نَبِيُّهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، يَقُولُ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قَالَ: وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ، وَمَعَهُ جَمَاعَاتٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، الرِّبِّيُّونَ: هُمُ الْجُمُوعُ الْكَثِيرَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الرِّبِّيُّونَ، الْأَتْبَاعُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}، قَالَ: (الرِّبِّيُّونَ) الْأَتْبَاعُ، وَ“الرَّبَّانِيُّونَ “ الْوُلَاةُ، وَ“الرِّبِّيُّونَ “ الرَّعِيَّةُ. وَبِهَذَا عَاتَبَهُمُ اللَّهُ حِينَ انْهَزَمُوا عَنْهُ، حِينَ صَاحَ الشَّيْطَانُ: (إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ) قَالَ: كَانَتِ الْهَزِيمَةُ عِنْدَ صِيَاحِهِ فِي [سَهْ صَاحَ]: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُتِلَ، فَارْجِعُوا إِلَى عَشَائِرِكُمْ يُؤَمِّنُوكُمْ!.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فَمَا عَجَزُوا لِمَا نَالَهُمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ الَّذِي نَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا لِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، عَنْ حَرْبِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَلَا نَكَلُوا عَنْ جِهَادِهِمْ {وَمَا ضَعُفُوا}، يَقُولُ: وَمَا ضَعُفَتْ قُوَاهُمْ لِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ {وَمَا اسْتَكَانُوا}، يَعْنِي وَمَا ذُلُّوا فَيَتَخَشَّعُوا لِعَدُوِّهِمْ بِالدُّخُولِ فِي دِينِهِمْ وَمُدَاهَنَتِهِمْ فِيهِ خِيفَةً مِنْهُمْ، وَلَكِنْ مَضَوْا قُدُمًا عَلَى بَصَائِرِهِمْ وَمِنْهَاجِ نَبِيِّهِمْ، صَبْرًا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ نَبِيِّهِمْ، وَطَاعَةٍ لِلَّهِ وَاتِّبَاعًا لِتَنْـزِيلِهِ وَوَحْيِهِ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}، يَقُولُ: وَاللَّهُ يُحِبُّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ الصَّابِرِينَ لِأَمْرِهِ وَطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِ، لَا مِنْ فَشَلٍ فَفَرَّ عَنْ عَدُوِّهِ، وَلَا مَنِ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَذَلَّ لِعَدْوِهِ لِأَنْ قُتِلَ نَبِيهِ أَوْ مَاتَ، وَلَا مَنْ دَخَلَهُ وَهَنٌّ عَنْ عَدُوِّهِ، وَضَعْفٌ لِفَقْدِ نَبِيهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}، يَقُولُ: مَا عَجَزُوا وَمَا تَضَعْضَعُوا لِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ “وَمَا اسْتَكَانُوا “ يَقُولُ: مَا ارْتَدُّوْا عَنْ بَصِيرَتِهِمْ وَلَا عَنْ دِينِهِمْ، بَلْ قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ حَتَّى لَحِقُوا بِاللَّهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا}، يَقُولُ: مَا عَجَزُوا وَمَا ضَعُفُوا لِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ (وَمَا اسْتَكَانُوا)، يَقُولُ: وَمَا ارْتَدَوْا عَنْ بَصِيرَتِهِمْ، قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقُوا بِاللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَمَا وَهَنُوا}، فَمَا وَهَنَ الرِّبِّيُّونَ {لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} مِنْ قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَمَا ضَعُفُوا}، يَقُولُ: مَا ضَعُفُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقَتْلِ النَّبِيِّ {وَمَا اسْتَكَانُوا}، يَقُولُ: مَا ذُلُّوا حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا)- وَ {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {فَمَا وَهَنُوا} لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ {وَمَا ضَعُفُوا}، عَنْ عَدُوِّهِمْ {وَمَا اسْتَكَانُوا}، لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ الصَّبْرُ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَمَا اسْتَكَانُوا}، قَالَ: تَخَشَّعُوا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {وَمَا اسْتَكَانُوا}، قَالَ: مَا اسْتَكَانُوا لِعَدْوِهِمْ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}.
|